تأملات في كتاب “تاريخ الطبري” حول نقله لمرويات تاريخ الصحابة وآل البيت.

تأملات في كتاب “تاريخ الطبري” حول نقله لمرويات تاريخ الصحابة وآل البيت.

يقدم « تاريخ الإمام الطبري؛ على غيره لأمور كثيرة منها:
1- قرب عهد الإمام الطبري من تلك الحوادث.
2- أن الإمام الطبري يروي بالأسانيد.
3- جلالة الإمام الطبري رحمه الله، ومنزلته العلمية.
4- أن أكثر كتب التاريخ إنما تنقل عنه.
وإذا كان الأمر كذلك فنحن إذا أردنا أن نقرأ فلنذهب مباشرة إلى الإمام الطبري، ولكن كما ذكرت فأهل السنة يأخذون من « تاريخ الطبري »، وأهل البدع كذلك يأخذون ما يوافق مذهبهم، فكيف نوفق بين هذا وهذا؟
« تاريخ الطبري » كما ذكرنا من ميزاته أنه لا يحدث إلا بالأسانيد، وأهل السنة يأخذون الصحيح من أسانيد الطبري، بينما أهل البدع يأخذون الصحيح والغث والسمين، المهم أن يوافق أهواءهم.
وإذا كان الأمر كذلك؛ كان من الواجب علينا أن نتعرف على منهج الإمام الطبري في « تاريخه ».
ولمعرفة منهج الإمام الطبري في تاريخه فقد أراحنا رحمه الله في هذه المسألة بمقدمة كتبها في أول كتابه، وليت الذين يقرؤون هذا التاريخ يقرؤون هذه المقدمة.
يقول الإمام الطبري رحمه الله في مقدمة تاريخه: « وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها، فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة؛
فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا ».
أظن أن الإمام الطبري بهذه المقدمة التي قدم لكتابه ألقى العهدة عليك أيها القارئ!!
فهو يقول لك: إذا وجدت في كتابي هذا خبرا تستشنعه، ولا تقبله، فانظر عمن رويناه، والعهدة عليه، وعلي أن أذكر من حدثني بهذا، فإن كان ثقة فاقبل، وإن لم يكن ثقة فلا تقبل.
وهذا الأمر قام به أكثر المحدثين، فحين ترجع إلى كتب الحديث غير « الصحيحين » اللذين تعهدا بإخراج الصحيح فقط.
كأن ترجع إلى « جامع الترمذي »، أو « سنن أبي داود »، أو « الدارقطني » أو « الدارمي » أو « مسند أحمد »، أو غيرها من الكتب تجدهم يذكرون لك الإسناد، ولم يتعهدوا بذكر الصحيح فقط، وإنما ذكروا لك الإسناد، وواجبك أنت أن تنظر إلى الإسناد؛ فإذا كان السند صحيحا فاقبل، وإن لم يكن صحيحا فرده.
والطبري هنا لم يتعهد بأن ينقل الصحيح فقط، إنما تعهد أن يذكر اسم من نقل عنه.
وقد أشار إلى هذا المنهج ابن حجر رحمه الله مبينا طريقة ومنهج أكثرالأقدمين حيث قال: « أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده، اعتقدوا أنهم تبرؤوا من عهدته ».
فإذا كان الأمر كذلك فلا عهدة على الإمام الطبري رحمه الله.