من احداث خلافة عليّ رضي الله عنه: سبب الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم

سبب الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم
اتفق أهل العلم أن الخلاف بين الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه لم يكن خلافًا في أصل الإمامة أو في شرعية خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنما كان خلافًا في الأولويات وكيفية معالجة الأزمة التي أعقبت مقتل الخليفة الثالث.

أولًا: موقف طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم
المشهور عند المؤرخين أن خروج طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم كان طلبًا للقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، لا خروجًا على خلافة علي، وقد خرجوا إلى البصرة بغرض الضغط لتحقيق هذا المطلب.

ثانيًا: موقف معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
عندما تولى علي رضي الله عنه الخلافة، عزل بعض الولاة الذين كان عثمان قد ولاهم، ومنهم: معاوية بن أبي سفيان وخالد بن سعيد بن العاص. فلما بلغ العزل معاوية، رفض الخروج من ولايته، وقال:
“ممن أعزل؟”
قيل له: “من علي.”
قال: “وأين قتلة ابن عمي؟ أين قتلة عثمان؟”
فقيل له: “بايع أولًا ثم طالب بقتلة عثمان.”
فقال: “لا، بل يُسلَّم إلي قتلة عثمان، ثم أبايع.”
ومع ذلك، فإن معاوية لم يكن يدعي الخلافة آنذاك، لكنه تمسك بقوة سلطته في الشام ليطالب بدم عثمان.

ثالثًا: جوهر الخلاف
يتضح أن الخلاف بين علي ومعاوية كان خلافًا في الترتيب الزمني للأولويات:
علي رضي الله عنه رأى أن توحيد الأمة تحت خلافته أولًا هو الطريق لضبط الأمور، ثم ينظر في أمر القصاص من القتلة بعد استتباب الأمن.
أما معاوية، فرأى أن قتل قتلة عثمان أولًا هو المقدمة الضرورية قبل أي بيعة، إذ لا يمكن السكوت عن هذا الدم المهدور.
رابعًا: الفرق بين موقف طلحة والزبير وموقف معاوية
مع أن رأي طلحة والزبير كان موافقًا لرأي معاوية في تقديم القصاص، إلا أن طلحة والزبير بايعا عليًا أولًا ثم خرجا طلبًا للقصاص، بخلاف معاوية الذي لم يبايع أصلًا.

يتبين أن الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في هذه المرحلة لم يكن نزاعًا على الدين أو العقيدة، بل كان خلافًا في تقدير المصلحة وتقديم الأولويات، وكلهم كانوا مجتهدين يريدون نصرة الحق، وإن أخطأ بعضهم في الاجتهاد، فالسابقات لهم عظيمة، ومقامهم في الإسلام رفيع.

الهوامش:
ينظر: الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص476.
ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص252.
ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ترجمة طلحة والزبير.