أين الحق فيما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم؟
من أكثر الأسئلة التي تتكرر عند دراسة أحداث الفتنة الكبرى بين الصحابة رضي الله عنهم: أين كان الحق؟ ومن كان أقرب إليه؟
وقد أرشدتنا السنة النبوية إلى ضوابط مهمة في هذا الباب، تُبين أن الحق لم يكن خالصًا لطرف دون آخر، وأن الجميع كانوا مجتهدين، وأن أقربهم للحق هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما دلّت النصوص.
أولًا: النصوص النبوية في تمييز الموقف الأقرب للحق
قال النبي ﷺ عن عمار بن ياسر رضي الله عنه:
« تقتله الفئة الباغية »1.
كما قال ﷺ عن الخوارج:
« يخرجون على حين اختلاف بين المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق » (2).
وفي رواية أخرى:
« أقرب الطائفتين إلى الحق ».
فهذه الأحاديث تُفهم منها دلالة واضحة أن عليًا رضي الله عنه كان أقرب إلى الحق من مخالفيه في معركتي الجمل وصفين، وأن مخالفه ـ مع اجتهاده ـ وقع في بغْي دون كفر.
لكن النبي ﷺ لم يقل إن عليًا كان على الحق الخالص بالكامل، بل قال: الأقرب إلى الحق، وهذا يدل على أن الحق التام كان في ترك القتال واعتزال الفتنة، كما فعل جمهور الصحابة.
ثانيًا: ندم الصحابة بعد وقوع الفتنة
ورد أن عليًا رضي الله عنه لما رأى طلحة صريعًا يوم الجمل قال:
« ليتني مت قبل عشرين سنة » (3)
كما نقل أن الحسن بن علي رضي الله عنه قال لأبيه بعد صفين: “ما كنت أظن أن الأمر يبلغ إلى هذا الحد”، فندم الجميع على ما حصل من القتال بين المسلمين، وأدركوا أنه كان الأولى السلم والصبر والصلح. (4)
ثالثًا: لماذا أثنى النبي ﷺ على الحسن دون غيره؟
قال النبي ﷺ في الحسن:
« إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين من المسلمين » (5)
فأثنى عليه لكونه أصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وامتدح فعله في إخماد نار الفتنة، وهذا يُظهر أن الترك أولى من المشاركة في القتال.
أما عليّ رضي الله عنه فقد أثنى عليه النبي ﷺ في موقف آخر، وهو قتاله للخوارج يوم النهروان، إذ إنهم خرجوا عن الإسلام ببدعتهم واستباحوا دماء المسلمين، فكان قتالهم حقًا محضًا، ولذلك:
1- فرح المسلمون بقتلهم.
2- سجد علي رضي الله عنه شكرًا لله بعد النصر عليهم.
4- بخلاف موقفه في الجمل وصفين، حيث بكى وحزن.
وبهذا تُظهر النصوص والمواقف أن الحق التام يوم الفتنة كان في اعتزال القتال، وأن عليًا رضي الله عنه كان أقرب الطوائف إلى الصواب، مع بقاء الجميع في دائرة الإسلام. وقد ندم كل من شارك بعد أن اتضح لهم حجم الفتنة، مما يدل على ورعهم وتقواهم وصدق نيتهم.
ويجب على المسلم أن يحسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم، وأن يعتقد أنهم مجتهدون مأجورون، وأنه لا عصمة لأحد بعد النبي ﷺ، لكن فضلهم ثابت، وعدالتهم مقررة، ومكانتهم محفوظة، ولهم سابقة كريمة، رضي الله عنهم.
المصادر:
1- صحيح البخاري (رقم 447).
2- صحيح مسلم (رقم 1066).
3- ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (ج7، ص248).
4- أخرجه الطبري في تاريخه، ج4.
5- صحيح البخاري (رقم 2704)، وصحيح مسلم (رقم 2276).