من أحداث خلافة عليّ رضي الله عنه: موقعة الجمل (36هـ)

الحمد لله، والصلام والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن أحداث خلافة عليّ رضي الله عنه موقعة الجمل، وذلك لما بويع علي بن أبي طالب، استأذن طلحة والزبير عليا رضي الله عنه في الذهاب إلى مكة فأذن لهما، فالتقيا هناك بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، وكان الخبر قد وصل إليها أن عثمان قد قتل رضي الله عنه، فاجتمعوا هناك في مكة وعزموا على الأخذ بثأر عثمان.
فجاء يعلى بن منية من البصرة، وجاء عبد الله بن عامر من الكوفة، واجتمعوا في مكة على الأخذ بثأر عثمان رضي الله عنه.
فخرجوا من مكة بمن تابعهم إلى البصرة يريدون قتلة عثمان، وذلك أنهم يرون أنهم قد قصروا في الدفاع عن عثمان رضي الله عنه.
وكان علي رضي الله عنه في المدينة، وكان عثمان بن حنيف رضي الله عنه واليا على البصرة من قبل علي بن أبي طالب.
فلما وصلوا إلى البصرة أرسل إليهم عثمان بن حنيف: ماذا تريدون؟
قالوا: نريد قتلة عثمان.
فقال لهم: حتى يأتي علي، ومنعهم من الدخول.
ثم خرج إليهم جبلة، وهو أحد الذين شاركوا في قتل عثمان فقاتلهم في سبعمئة رجل فانتصروا عليه، وقتلوا كثيرا ممن كان معه، وانضم كثير من أهل البصرة إلى جيش طلحة والزبير وعائشة رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
خرج علي رضي الله عنه من المدينة إلى الكوفة وذلك لما سمع أنه وقع هناك قتال بين عثمان بن حنيف وهو والي علي على البصرة وبين طلحة والزبير وعائشة ومن معهم، فخرج علي صلى الله عليه وسلم وجهز جيشا قوامه عشرة آلاف لمقاتلة طلحة والزبير.
وهنا يظهر لنا جليا أن علي بن أبي طالب هو الذي خرج إليهم ولم يخرجوا عليه، ولم يقصدوا قتاله كما تدعي بعض الطوائف ومن تأثر بهم، ولو كانوا يريدون الخروج على علي لذهبوا إلى المدينة مباشرة وليس إلى البصرة.
فطلحة، والزبير، وعائشة ومن كان معهم لم يحدث قط أنهم أبطلوا خلافة علي ولا طعنوا عليه ولا ذكروا فيه جرحا ولا بايعوا غيره ولا خرجوا لقتاله إلى البصرة فإنه لم يكن بالبصرة يومئذ.
ولذلك قال الأحنف بن قيس: لقيت طلحة والزبير بعد حصر عثمان فقلت: ما تأمراني فإني أراه مقتولا؟
قالا: عليك بعلي.
قال: ولقيت عائشة بعد قتل عثمان في مكة فقلت: ما تأمريني؟
قالت: عليك بعلي.

مفاوضات قبيل القتال:
وأرسل علي المقداد بن الأسود والقعقاع بن عمرو ليتكلما مع طلحة والزبير، واتفق المقداد والقعقاع من جهة وطلحة والزبير من جهة أخرى على عدم القتال وبين كل فريق وجهة نظره.
فطلحة، والزبير يريان أنه لا يجوز ترك قتلة عثمان، وعلي يرى أنه ليس من المصلحة تتبع قتلة عثمان الآن، بل حتى تستتب الأمور، فقتل قتلة عثمان متفق عليه، والاختلاف إنما هو في متى يكون ذلك.
وبعد الاتفاق نام الجيشان بخير ليلة، وبات السبئية (وهم قتلة عثمان) بشر ليلة؛ لأنه تم الاتفاق عليهم وهذا ما ذكره المؤرخون الذين أرخوا لهذه المعركة أمثال: الطبري(2)، وابن كثير(3)، وابن الأثير، وابن حزم، وغيرهم.
عند ذلك أجمع السبئيون رأيهم على أن لا يتم هذا الاتفاق، وفي السحر والقوم نائمون، هاجم مجموعة من السبئيين جيش طلحة
والزبير وقتلوا بعض أفراد الجيش وفروا، فظن جيش طلحة أن جيش علي غدر بهم، فناوشوا جيش علي في الصباح، فظن جيش علي أن جيش طلحة والزبير قد غدر، فاستمرت المناوشات بين الفريقين حتى كانت الظهيرة فاشتعلت المعركة.

محاولات وقف القتال:
وقد حاول الكبار من الجيشين وقف القتال، ولكن لم يفلحوا، فكان طلحة يقول: يا أيها الناس أتنصتون؟ فأصبحوا لا ينصتونه فقال: أف أف فراش نار، وذبان طمع(1). وعلي يمنعهم ولا يردون عليه، وأرسلت عائشة كعب بن سور بالمصحف لوقف المعركة، فرشقه السبئيون بالنبال حتى أردوه قتيلا.
وذلك أن الحرب والعياذ بالله إذا اشتعلت لا يستطيع أحد أن يوقفها، وقد ذكر البخاري أبياتا من الشعر لامرئ القيس:
الحرب أول ما تكون فتية … تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها … ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت … مكروهة للشم والتقبيل
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: « والفتنة إذا وقعت عجز
العقلاء فيها عن دفع السفهاء، فصار الأكابر رضي الله عنهم عاجزين عن إطفاء الفتنة، وكف أهلها، وهذا شأن الفتن كما قال تعالى: [واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب] {الأنفال: 25}.
وقعة الجمل كانت في سنة ست وثلاثين من الهجرة، أي: في بداية خلافة علي رضي الله عنه، بدأت بعد الظهر وانتهت قبيل مغيب الشمس من اليوم نفسه.
كان مع علي عشرة آلاف، وأهل الجمل كان عددهم ما بين الخمسة والستة آلاف، وراية علي كانت مع محمد بن علي بن أبي طالب، وراية أهل الجمل مع عبد الله بن الزبير.
قتل في هذا اليوم كثير من المسلمين، وهي فتنة سلم الله تبارك وتعالى منها سيوفنا ونسأل الله لهم الرضوان والمغفرة.