قصة التحكيم في معركة صفين: رواية باطلة وأخرى صحيحة
قصة التحكيم في معركة صفين: رواية باطلة وأخرى صحيحة
انتهت معركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما بالتحكيم، وذلك حين رُفعت المصاحف على الرماح، فوافق علي رضي الله عنه على وقف القتال، ورجع إلى الكوفة، ورجع معاوية إلى الشام، واتفق الطرفان على أن يكون التحكيم في شهر رمضان.
بعث عليٌّ أبا موسى الأشعري ليمثله في التحكيم، وبعث معاوية عمرو بن العاص، وهنا ظهرت قصة مشهورة بين الناس، مفادها أن الرجلين اتفقا على خلع الطرفين، وأن أبا موسى صعد المنبر وقال: “أنزع عليًا من الخلافة كما أنزع خاتمي”، ثم نزع خاتمه. وتبعه عمرو قائلًا: “وأنا أنزع عليًا كما نزع، وأُثبت معاوية كما أثبت خاتمي”، فنشأ الخلاف، وغضب أبو موسى وعاد إلى مكة، بينما عاد عمرو إلى الشام.
لكن هذه القصة باطلة لا تصح، وقد روّج لها أبو مخنف لوط بن يحيى، وهو متروك الحديث عند أهل العلم.
الرواية الصحيحة:
الرواية الثابتة عند أهل السنة أن عمرو بن العاص التقى أبا موسى وقال له:
“ما ترى في هذا الأمر؟”
فأجاب أبو موسى:
“أرى أنه من النفر الذين توفي رسول الله ﷺ وهو راضٍ عنهم.”
فقال عمرو: “وأين تجعلني أنا ومعاوية؟”
فقال أبو موسى:
“إن يُستعن بكما ففيكما المعونة، وإن يُستغنَ عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما.”
ثم عاد كلٌّ إلى صاحبه وأخبراه بما دار بينهما.
لماذا الرواية المشهورة باطلة؟
ضعف السند: القصة من طريق أبي مخنف، وهو كذاب باتفاق المحدثين.
الخلع غير منطقي: لا يصح في منهج أهل السنة أن يُعزل خليفة المسلمين باتفاق رجلين، فهذا مخالف لأصول الإمامة عندهم.
ثبوت الرواية الصحيحة: القصة المعتمدة لا تتضمن خلعًا ولا إثباتًا، وإنما توقفت الحرب، واستمر كل فريق في موقعه، وبقي علي في الكوفة خليفة للمسلمين، وبقي معاوية أميرًا على الشام.
وبهذا يتبين أن ما يُتداول في كتب الأخبار من هذه القصة لا أصل له عند المحققين من أهل العلم، وأن الواجب التمسك بما صحّ وترك ما لا يثبت من الروايات.