موقعة النهروان: عندما واجه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الخوارج
بعد انتهاء معركة صفين سنة 37 هـ، وعودة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الكوفة، ظهرت فتنة جديدة تمثّلت في خروج فرقة من جيشه، عُرفت فيما بعد بـ الخوارج. كانوا قد اعترضوا على مبدأ التحكيم الذي وافق عليه علي رضي الله عنه، ورفعوا شعارهم الشهير: “لا حكم إلا لله”، وشرعوا في التشويش عليه حتى داخل المسجد.
وكان علي رضي الله عنه يرد عليهم بقوله:
“كلمة حق، أُريد بها باطل.” (رواه مسلم).
جرائم الخوارج وبداية المواجهة:
ما لبث هؤلاء القوم أن بدأوا في إفساد الأرض، حيث قاموا بقتل الصحابي الجليل عبد الله بن خباب بن الأرت، وقتلوا زوجته وبقروا بطنها وهي حامل في شهرها الأخير، في جريمة هزّت الكوفة.
عندها أرسل إليهم علي يسألهم: “من قتله؟”
فقالوا: “كلنا قتله.”
فخرج إليهم رضي الله عنه بجيشٍ قوامه عشرة آلاف مقاتل، ووقعت المعركة في النهروان سنة 38 هـ، وقتل منهم ألف رجل، بينما لم يُقتل من جيش علي إلا أربعة أو سبعة رجال، كما جاء في بعض الروايات.
الحوار مع الخوارج قبل القتال:
قبل أن يبدأ القتال، بعث علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس لمحاورتهم، وقد نجح حوار ابن عباس في إقناع أربعة آلاف منهم بالتوبة والرجوع، وكان من بينهم ابن الكواء. وقد استدل ابن عباس على خطئهم بنصوص من كتاب الله، منها قوله تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا}
[النساء: 35]
وقاس بها موقف التحكيم بين علي ومعاوية، فقال: “أمة محمد أعظم دمًا من امرأة ورجل”.
موقف أم المؤمنين عائشة من المعركة:
يروي عبد الله بن شداد أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألته عن الخوارج الذين قتلهم علي، فأجابها أنهم سفكوا الدماء، وقطعوا الطريق، واستحلوا أهل الذمة. فقالت له: “آالله؟”
قال: “آالله الذي لا إله إلا هو.”
ثم سألته عن الرجل المعروف بـ “ذو الثدية”، وكان رسول الله ﷺ قد أخبر أن في الخوارج رجلاً في يده مثل ثدي المرأة، وأنهم يُقتلون على يد الطائفة المحقة. فقال عبد الله:
“رأيته، وسمعت عليًا يقول عنده: صدق الله ورسوله.”
فقالت عائشة:
“يرحم الله عليًا، كان لا يرى شيئًا يُعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله.”
بشارة النبي بقتال الخوارج:
ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال عن الخوارج:
“تمرق مارقة على حين فرقة من الناس، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق.”
[صحيح مسلم: 1066]
وأشار إلى وجود رجل منهم “مخدّج اليد”، وهو ذو الثدية، فصار علي يبحث عنه في القتلى حتى وجده، فسجد لله شكرًا؛ لأن ذلك كان دليلاً على أنه هو الطائفة المحقة كما أخبر النبي ﷺ.